«عملي في المكتب يتعبني، وأحس أنه عبء إضافي لهموم المنزل».. مشكلة ترددها المرأة بشكل دائم، حيثُ تجد نفسها أمام إملاءات العمل من جهة، وواجبات البيت من جهة أخرى، وانطلاقًا من هذا الوضع الصعب تؤكد 73% من النساء حاجتهن إلى نصائح تخفف إرهاق العمل المكتبي وانعكاساته النفسية السيئة، ليتمكنَّ من منح بيوتهن العناية اللازمة، وفق دراسة أعدت مؤخرًا في العاصمة الموريتانية نواكشوط.تفيد دراسات طبية أن «المخ البشري يستطيع أن يعمل لعشر ساعات، أو اثنتي عشرة ساعة بقوة لا تلين، لكن الوضعية التي يكون عليها الجسد ـ خاصة جسد المرأة ـ أثناء العمل، هي التي تتسبب في الإرهاق؛ لأنها لا تكون سليمة في الغالب».ولا يخطر ببال المتخصصين معالجة «الإرهاق» الناتج عن العمل المكتبي من خلال المهدئات والأدوية، بل يسعون لمعالجة أسبابه عن طريق إرشادات ونقاط تتعلق أغلبها ببث السعادة في العمل، وتعلم فن الاسترخاء لتفادي الإرهاق والقلق حتى لو زادت ساعات العمل أكثر مما كانت عليه.
بداية يرى الدكتور «يحفظ ولد المهاب» منسق البرنامج الوطني الموريتاني للصحة النفسية، أن الانفتاح على زملاء العمل، وتنمية روح التعاون معهم، وإلغاء الغيرة والحسد تجاههم، وتنمية المرأة للإحساس لديها بأنها جزء من مجموعة تساهم في الحصول على راحة نفسية أثناء ممارسة العمل.
كما ينصح الدكتور بأنه في حال ما إذا طرحت مشكلة في العمل، فتجب محاولة حلها في حينها، ولا بأس لو تمت الاستعانة بزملاء العمل والإدارة، ولا ينصح بتأجيلها إلى اليوم التالي؛ لأنه كما يقول الدكتور: «يجب أن تستيقظ المرأة دائمًا على يوم جديد، وتحس أنها ذاهبة إلى مكتبها حيثُ لا تنتظرها فيه أي مشاكل عالقة، وهذا يساهم في نجاح أعمالها اليومية بعيدًا عن الارتباك والقلق.
كما لو كان
إذا كنت تشعرين أن عملك غير محبب لديك، فباستطاعتك أن تحبيه وتجعليه طريقة مسلية لحياتك، إذا تمكنت من تنمية الشعور في نفسك بأن العمل مفيد ومسل، وأنك تجدين فيه الراحة والاستقرار النفسي، وتحققين من خلاله نجاحًا في حياتك، بالإضافة إلى كل المزايا التي يضيفها لشخصيتك من الناحية المادية والمعنوية، تماما «كما لو كان» عملك مريحًا ومسليًا فعلاً.
وهذه طريقة يعتمدها علماء النفس ويؤمنون بجدواها ونفعها، ومن هؤلاء العالم النفسي «وليم جيمس» الذي قال: «أبدو كما لو كنت شجاعًا فتأتيني الشجاعة، أو أتصرف كما لو كنت سعيدًا فتأتيني السعادة فورًا».
لذلك أقبلي على عملك يوميًا كما لو أنك تلقين فيه متعة ولذة، نعم بإمكانك ذلك، وستجدين لذة حقيقية ومتعة واقعية، وأقبلي على يومك بسعادة داخلية كبيرة، وستجدين أن عملك يصبح منبعًا للسعادة مهما كان متعبًا.
الممل ممتع!
وفي هذا الإطار تعتقد الباحثة الاجتماعية «عيشة بنت أباه» من قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة نواكشوط أن «هنالك قدرة كبيرة لدى الإنسان -خاصة المرأة- على جعل الأشياء «المملة» أقرب إلى «الممتعة»، وذلك من خلال تكثيف النظر إلى محاسنها لا إلى مساوئها، بالإضافة إلى تطعيمها بأشياء جميلة، كأن تستعملي في مكتبك أقلامًا لطيفة تميلين إلى الكتابة بها مثلا، أو أشياء بسيطة لا تغير شكل المكتب، ويسعدك وجودها واقتناؤها، حيثُ تدعمك هذه الأشياء نفسيًا، وتحيطك فالفرح».
تعلمي فن الاسترخاء
الاسترخاء فن جميل يحارب الإرهاق والقلق، حيثُ يجمع معظم العلماء النفسيين على أن «العمل الفكري وحده لا يؤدي إلى الإرهاق»، ويؤكد العالم النفسي الإنجليزي «هادفيلد» في إحدى دراساته أن «القسم الأكبر من التعب الذي ينتابنا، هو ناشئ من الناحية الذهنية، لكن الحقيقة أن التعب الناشئ عن العمل الجسدي إنما هو في غاية الندرة»، كما يوافقه الرأي الدكتور «جاكوبون» الذي عمل لسنوات عديدة مديرًا لمعامل «الفيسيولوجيا الإكلينيكية» في جامعة شيكاغو، والذي يقول: «إن أي اهتياج عصبي أو فراغ عاطفي، لا يمكن أن يعيش مع الاسترخاء الكامل».
5 نقاط لتفادي الإرهاق
مستوحاة من مؤلفات الأمريكي «دايل كارنيجي» مطور الدروس المشهورة في تحسين الذات، بالإضافة إلى تأليفه لكتب أخرى متخصصة في توجيه طاقة المرأة العاملة:
- قبل الذهاب إلى المكتب، قولي لنفسك: اليوم سأحاول أن أضع برنامجًا للعمل، ومع أنني قد لا أسير عليه حرفيًا -خاصة إذا كنت غير متعودة- إلا أنه يمكنني من التخلص من أمرين: العجلة والاندفاع.
- أزيلي جميع الأوراق غير الضرورية من على مكتبك، لأن مجرد النظر إلى مكتب مكدس بالأوراق والتقارير والملفات كفيل بأن يتسبب عندك بالتوتر والقلق، ويجعلك تخسرين الوقت.
- راجعي ذاتك في كل يوم أربع أو خمس مرات ثم قولي لنفسك: «أتراني أجعل عملي أصعب مما هو عليه؟ أتراني استخدم عضلاتي بعمل لا شأن لي به إطلاقًا؟» فهذه المراجعة تعينك على تكوين عادة الاسترخاء.
- مع اقتراب انتهاء وقت الدوام، حاولي أن تكتبي أخطاءك اليومية في مذكرة خاصة، وأن تكتبي أيضًا نقاط نجاحك في نفس اليوم، وتقارني بين الكفتين.
- عيشي تجربة مع نفسك في آخر كل يوم، واسأليها: «هل أنا مرهقة؟» فإذا كنت كذلك، فاعلمي أن مصدر التعب ليس من كمية الجهد الذي بذلتيه، ولكن في الطريقة التي بذلت بها هذا الجهد، وكيفية تصورك للأعمال التي قمت بها، وعليك أن تراجعي نفسك دائما بهذا الخصوص.
الطريقة العلمية للاسترخاء
يحدد الدكتور «يحفظ ولد المهاب» الطريقة العلمية والصحية للاسترخاء في المكتب وفق ثلاث مراحل، ما يعمل ـ في حال تطبيقه ـ على تجديد الطاقة الجسدية، وينعكس بشكل إيجابي على الجوانب النفسية التي هي رأس المال الحقيقي للمرأة العاملة في المكتب، بحيث تستطيعين إنجاز ضعف المهام إذا كنت دائمًا في وضعية نفسية جيدة:
المرحلة الأولى:
- اختاري مكانًا هادئًا، ومنعزلًا إذا أمكن «وإذا تطلب الأمر أغلقي عليك المكتب لدقائق»، ثم اجلسي على كرسي مريح.
- اغمضي عينيك، وضعي يديك إلى الجانبين والقدمين متباعدتين.
- تنفسي بعمق.. شهيق عميق.. زفير منتظم.. شهيق.. زفير.
- اتركي جسمك كله مسترخيًا بشكل تام.
المرحلة الثانية:
- يجب إرخاء العضلات في كل الجسم، وفي حالة «الشهيق» شدي العضلات «عضلات الرأس والوجه»، وفي حالة «الزفير» اتركي العضلات تسترخي وحدها بشكل طبيعي.
- قومي على التوالي بتمرين «عضلات الكتفين والرقبة ،عضلات البطن، الساقين والقدمين»، وفي كل مرة قومي بشد العضلات بطريقة سلسة مع الشهيق، واتركيها تسترخي وحدها عند الزفير، وكرري الشهيق والزفير لعدة مرات.
المرحلة الثالثة:
- استمري في ذلك، وحاولي أن تتخيلي منظرًا جميلاً تحبينه، واستمتعي بذلك عدة دقائق.
ملاحظة: إذا كنت تتابعين تمارين طبية تتعلق بالحركة أو تنشيط الأعضاء، يمكن أن تستشيري طبيب العائلة حول وضعيات الاسترخاء التي تناسبك بشكل خاص.