الملل و علاقته بالعمل الفصل الأول : تحديد الإشكالية و المفاهيم
1 – تحديد الإشكالية :
إن الحديث عما تتصف به الصناعة الحديثة من تخصص في الأعمال و تبسيطها
وتنوعها ، جعلت العامل في علاقته مع عمله يتأثر تأثرا بالغا ،فهو لم يعد
يستطيع وحده أن ينتج سلعة كاملة دون أن يشارك فيها ،إنما هناك كثيرون
يشتركون معه في إنتاجها ، فهو يمثل جزءا بسيطا جدا منها ،إذ أن هناك تخصص
مهني تلعب القدرات و الاستعدادات النفسية والجسمية و المزاجية و الاجتماعية
الدور الفاصل و المؤهل للنجاح .
لكن هذا التمثيل البسيط لدور العامل لا يمكن أن يلغي أو حتى يحجم من
مكانته في ميدان العمل ،فهو يعتبر ركيزة الصناعة لأدائه دورا بالغ الصعوبة
كونه في تحد مستمر مع الآلة التي غزت المصانع اليوم ،تحد لأجل زيادة
الإنتاج يتطلب السرعة و الدقة في آن واحد ،هذا ما يجبره على بذل جهد ذهني و
بدني اكبر بغية التوسع و رفع مستوى الأداء لئلا يفقد مستقبله المهني مع
هذه الآلات الذكية التي تتسم بالدقة الشديدة و السرعة الفائقة.
إن هذه العمليات التي هي عبارة عن أجزاء بسيطة جدا تتطلب الانتباه و
التكيف لمواقف متنوعة غير منتظرة وتتطلب نشاطا ذهنيا ،فتبقي هذا الذهن
منشطر إلى قسمين ،خواطر طارئة قد تحدث في عمل بسيط و مكرر،و توجيه الانتباه
إلى ما تبقى من الزمن حتى يدق ناقوس الانصراف ،لذا ينشب الملل كحالة نفسية
معقدة ،لدى العامل فتجعل مشتت التفكير وينتابه شعور بالإحباط و فتور في
الهمة والضجر ،ومنه يمكن أن نطرح الإشكال التالي :
إلي أي مدى يمكن أن تؤثر هذه الحالة النفسية على العامل في تأدية عمله ?
2 - تحديد المفاهيم
o الملل : حالة نفسية معقدة تحدث عند القيام بعمل رتيب و متكرر ،و تنشا من استمرار العامل في أداء عمل لا يحبه .
o العمل : هو ذلك الجهد العقلي والبدني الذي يبذله العامل لإنتاج منتج ما (منج فكري أو مادي).
o التوافق المهني :
تعريف (1) : هو قدرة الفرد على التواؤم و التكيف السليم لظروف و مطالب العمل (التكييف مع الآلة و روتين العمل ) .
تعريف (2) : هو عملية حركية يقوم بها الفرد لتحقيق التلاؤم بينه و بين البيئة المهنية .
o العمل الرتيب :
o العمل المتكرر :
مقدمة
يمثل العمل جزءا هاما و معلوما و محسوما من حياة الإنسان ،و مع مرور
الوقت يتشكل لكل فرد مجموعة من الآراء و الاتجاهات و القيم و المعتقدات لدى
هذا العامل في وسطه وداخل عمله كل حسب نوع عمله و الظروف المحيطة به
،فعامل ألامس كان يُرى جانب من شخصيته في عمله ، فهو في النهاية يرى نتيجة
مجهوده و الهدف من عمله ،فيشعر بحوافز تدفعه إلى إتقان عمله و تشعره بلذة
وسعادة عند الانتهاء منه ،هذه اللذة تدفعه و تحفزه على المضي و الإبداع
،مما يحسسه بأهميته تجاه عمله و عملائه و مجتمعه .
أما عامل اليوم ومع ما اتسمت به الحضارة الصناعية المعاصرة وما صاحبها
من تقدم تكنولوجي بسمات لم تعهدها الحضارات السالفة ،سمات زعزعت الأمن و
الاستقرار في نفس العامل و خنقت شخصيته ،و أشاعت الاضطرابات النفسية في
أوساط العمال ،و أرغمته على التخصص في الأعمال مما جعلته يقوم بأعمال و
حركات جزئية بسيطة و تافهة لا تقربه مما يرجوه لنفسه من مكانة اجتماعية
داخل و خارج عمله ،بل بالعكس من ذلك فهو يجد نفسه معرضا للاستغناء عنه في
أية لحظة ،ذلك لان الأسواق المحلية و العالمية أصبحت تخضع للتقلبات
الاقتصادية و هو ما أحاط ميدان العمل و العمال بمشكلات و أزمات فنية و
نفسية و اجتماعية ،فأصبح العامل يشعر أن لا شيء يربطه بعمله إلا ما يتقاضاه
عليه من اجر ففترت الهمة و غيبت الأهداف ،التي تشعر العامل بدوره
الاجتماعي ، بل جعله عمله في حالة من التوتر النفسي الذي لازمه داخل و
خارج عمله ،و لعل الملل هو احد هذه الحالات النفسية التي أرهقت أرباب العمل
و أفلستهم لاتقائها و اتقاء ما قد ينجر من ورائها من حوادث عمل قد تكلف
الكثير من الأموال .
ولقد تطرقت إلى موضوع الملل في العمل باختصار شديد ، في ثلاث فصول
،الفصل الأول تناولت فيه تحديد بعض المفاهيم و الإشكالية ،و الفصل الثاني
تضمن مسببات الملل و أثاره و كيفية علاجه ،أما الفصل الثالث فكان للجانب
النظري و أهم النظريات التي اهتمت بموضوع الملل سواء من قريب أو بعيد .
الفصل الثاني : الملل أسبابه ،آثاره و كيفية علاجه
1 - أسباب الملل
الملل حالة نفسية معقدة تحدث عند القيام بعمل رتيب و متكرر ،وتتوقف
على عوامل شخصية وخارجية فالعوامل الشخصية الاتجاه النفسي للعامل إزاء
عمله ووجه النظر إلى هذا العمل ،درجة الاهتمام بهذا العمل و درجة ذكاء
الفرد و مزاجه ،أما العوامل الخارجية فتتمثل في نوع العمل وظروفه .
أ – العوامل الشخصية
o درجة ذكاء الفرد العامل :
o بينت الدراسات أن ذوو الذكاء المرتفع تضجرهم الإعمال التكرارية الرتيبة ،
في حين أن ذوي الذكاء الخفيض يرتاحون إلى النشاط ذو الوتيرة الواحدة .
o الاتجاه النفسي للعامل :
العوامل المزاجية الموروثة كدرجة الحساسية و الحيوية ،وسرعة التهيج و
الرزانة و الانفعالية ،فذوو المزاج المتقلب لا يصلح للأعمال الرتيبة .
ب – العوامل الخارجية
o العمال الذين اعتادوا أداء أعمالهم مع الآخرين يصيبهم الملل بسرعة إذا ما اضطروا للعمل بمفردهم .
o نوع النشاط المهني الممارس ،فهناك بعض الأنشطة تبعث للملل أكثر من غيرها
خصوصا الأعمال الانفرادية التي يقل فيها الاحتكاك التفاعل مع الآخرين .
o نظام دفع الأجور ،فمثلا الشغل بالقطعة اقل مللا من الشغل بالساعة لأنه يتقاضى أجرا لكل وحدة مما يزيد الاهتمام بالعمل .
2 – الآثار المترتبة على الملل
غالبا ما يشعر العامل الذي يؤدي عملا رتيبا بالملل ،فبالمنظور البعيد لمصنع
ما نرى أعمالا تكرارية مملة تسبب الضجر و الملل ،لكن عند الفحص الدقيق
لظروف العمل يرى شيء من التنوع وسط الرتابة الظاهرة لتلك الإعمال ،و الواقع
أن اغلب العمال الذين يؤدون أعمال تكرارية يؤدنها على وجه مرض قي الساعتين
الأوليين من العمل ،ثم تبدأ أعراض القلق و الرغبة في تغيير العمل ،هذا
بدوره يؤدي إلى عدم الاستقرار في أداء العمل بين الانخفاض و الارتفاع في
الوتيرة ،أي إلى تذبذب في مستويات الإنتاج ،ويمكن أن نجسد هذه الآثار في :
- القلق .
- الرغبة في تغيير العمل .
- قلة الإنتاج .
- صعوبة أداء العمل .
- احتمال وقوع حوادث .
- الإصابة بالاكتئاب لدى العامل .
3 - وسائل التغلب على الملل
يمكن التخفيف من حدت مشكلات الملل في العمل بطرق عدة منها :
- اختيار العمال بحيث يتناسب ذكاؤهم مع قيمة الأعمال التي سيؤدنها.
- إيجاد الدوافع و البواعث القوية التي تساعد على تقدم العمل .
- وضع فترات للراحة ووسائل الترفيه و توزيع ساعات العمل .
- معرفة الفرد لمدى تقدمه في عمله و فرحته بالانجاز .
- إذا أمكن التنويع و التغيير في شكل العمل وتقسيم العمل إلى وحدات صغيرة .
- بعض المنشطات و المهدءات و العقاقير الحافزة على سرعة الانجاز .
- المكافآت التشجيعية و العلاوات التي ترفع إنتاجية العامل .
- تحسين الظروف الفيزيقية للعمل بما يؤدي إلى رفع روحه المعنوية .
- الاهتمام بالإضاءة و اللون داخل مكان العمل (ضعف الإضاءة يؤدي إلى التعب و الضيق و القلق).
- التهوية الصحية و درجة الحرارة الملائمة تهيأ ظروف أفضل للعمل و العمال .
ربما إذا توافرت هذه العوامل قد تخفض من نسبة الملل لدى العمال ،لكن يبقى
الملل حالة نفسية معقدة لا يمكن السيطرة عليها تماما فهي في اغلب الأحيان
مرتبطة بذات العامل ،فقد تكون لأسباب وراثية أو اجتماعية خارجية أو حتى
إشرافية داخل المصنع .
خطة البحث
مقدمة
الفصل الأول : تحديد الإشكالية و المفاهيم
1 – تحديد الإشكالية
2 – تحديد المفاهيم
الفصل الثاني : الملل أسبابه،أثاره و طرق علاجه
1 – أسباب الملل
2 – الآثار المترتبة عن الملل
3 – وسائل التغلب على الملل .
الفصل الثالث : المعالجة النظرية .
1 – نظرية الانعصاب التوافقي .
2 – نظرية ذات العاملين (فردريك هزربرج ).
3 - نظرية القيمة .
خاتمة
الفصل الثالث : المعالجة النظرية
1 – نظرية الانعصاب التوافقي
وهي نظرية في مجال الأمن الصناعي ،و محتوى هذه النظرية :
((أن هناك انعصاب سلبي غير عادي دافع على العامل يزيد من احتمال تعرضه
للحوادث أو أي سلوك آخر مساو تماما لهذا الانعصاب كما ونوعا وبشدة ))
و هذه النظرية تعتبر نظرية مناخية باعتبار البيئة تنقسم إلى بيئة
داخلية و بيئة خارجية و هناك ضغوط سلبية متعددة على العامل ،فالضغوط
الداخلية الواقعة على العامل من البيئة الداخلية ( مرض الأعضاء – الكحوليات
– المخدرات - .........)و الضغوط الواقعة على العامل من البيئة الخارجية (
الحرارة – الإضاءة – الضوضاء – العمل الجسماني - ........) و أن هناك
عوامل لها علاقة هامة بوقوع الحوادث كالعمر ودرجة الحرارة ومتوسط معدلات
الراحة ،تكرار الأجزاء المتبادلة بين العمال ، المجهود اليدوي في العمل ،
استهلاك الكحوليات.
2 – نظرية ذات العاملين ( فريدريك هزربرج )
توصل إلى الفصل بين نوعين من مشاعر الدافعية هما الرضا و الاستياء
،فالعوامل المؤدية إلى الرضا تختلف تماما،عن العوامل المؤدية إلى الاستياء
،كانت كنتيجة لدراسة قام بها هزربرج و زملائه على مجموعة تتكون من 200
مهندس و محاسب ،و توصل إلى النتائج التالية :
وجود عوامل خاصة بالوظيفة ينتج على عدم حالة من الاستياء ، ووجودها
يولد دافع قوي (عوامل وقائية ) واهم هذه العوامل الوقائية ،سياسة الشركة و
الإدارة ،الإشراف الفني ،العلاقات المتبادلة مع المشرف و الزملاء ،المرتب
،ظروف العمل .و ظروف إذا توفرت تؤدي إلى وجود دوافع و غيابها يؤدي إلى حالة
ملموسة من عدم الرضا أو الاستياء (عوامل دافعة )وهذه العوامل هي ،
الاعتراف ، الانجاز ، التقدم ،العمل نفسه ،المسؤولية ...
واستخلص هزربرج أن غياب العوامل الوقائية خلق درجة عالية من الدافعية .
3 – نظرية القيمة ( أدوين لوك )
قدرت العمل على توفير العوائد ذات القيمة و المنفعة للأفراد هي احد المسببات الرئيسية للرضا عن العمل .
قائمة المراجع
1. د/اشرف محمد عبد الغني : علم النفس الصناعي أسسه و تطبيقاته ،المكتب الجامعي الحديث ،الإسكندرية ،مصر ،2001.
2.
3. د/ طارق كمال : علم النفس المهني و الصناعي ،مؤسسة شباب الجامعة ،الإسكندرية ،مصر ،2007 .
4. كامل محمد محمد عويضة : علم النفس الصناعي ، الطبعة الأولى ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،1996 .
5. د/مجدي احمد محمد عبد الله : علم النفس الصناعي بين النظرية والتطبيق ،دار المعرفة الجامعية ، مصر ،1996 .
6. د/ عباس محمود عوض : دراسات في علم النفس الصناعي و المهني ،دار المعرفة الجامعية
خاتمة
إن قدرة العامل على تغيير سلوكياته و عاداته واتجاهاته داخل محيط عمله
، ووفق ما تواجهه من مشاكل مادية و اجتماعية وحتى نفسية ،جراء ضغوط العمل
المتزايدة و متطلباته وحاجاته الاجتماعية الخارجية كالبيئة الأسرية الدينية
و الثقافية ،تتوقف بصفة كبيرة على قوة شخصية هذا العامل و مدى التكوين و
التأهيل النفسي للوظيفة المشغولة ،و بصورة اكبر إلى مدى رضاه عن الوظيفة
التي يشغلها ، فإذا توافرت هذه العوامل يمكننا أن نتغلب على مشكلة الملل ،و
بالتالي نحفظ سلامة العامل و نضمن كفاية إنتاجية إلى نسبة عالية ،و لكن
وبالرغم من كل هذه الإجراءات الوقائية تبقى مشكلة الملل قائمة ،ولو بنسب
قليلة و لا يمكن القضاء عليها تماما ،لان بها من التعقيد والغموض ما يجعلها
تتفاوت من عامل لآخر ،وفق ظروف كل فرد عامل وحياته الاجتماعية ،وحتى
تنشانه الاجتماعية .
الإثنين سبتمبر 05, 2011 6:09 pm من طرف خالصة